16 Sep
16Sep

تأليف: حنان مهدي 

رسم : سما الدندشي

حكم أحد الملوك الطيبين مملكة عظيمة..

للملك ولدين شابين، هما الأميرة "لونا" والأمير "ساهر".. وخلافا للأمير "ساهر"، فإن الأميرة "لونا" تحظى بمعاملة خاصة ومكانة مميزة في قلب والدها الملك الذي يُكن لها حبّا لا يوصف.

على الرغم مما تحظى به الأميرة من مكانة مرموقة وجمال، إلا أنها تبدو على الدوام حزينة وكئيبة كونها لا تستطيع الإبصار، فهي عمياء منذ الصغر و لم يجد لها الحكماء أي علاج، رغم أن والدها الملك أحضر لها أعظم الأطباء وأذكاهم.

كان مساء اليوم هو حفلة عيد ميلاد الأميرة "لونا".. لذلك أعدّ والدها حفلة كبيرة علّه بذلك يرسم البسمة على شفتيها، لقد حضر الناس من كل صوب وأحضروا الكثير من الهدايا الثمينة، لكن هذا لم ينجح في جعل الأميرة "لونا" سعيدة، فقد ظلت طوال الوقت عابسة الوجه لا تلقي بالا لما يدور حولها.

في صباح الغد لم ينقطع وصول هدايا الرعية للأميرة.. فطلب الملك بحمل كل الهدايا ووضعها في غرفتها، لكنها رفضتها بشدة وصارت ترميها في كل مكان وهي تصرخ من شدة الغضب.

دخل الأمير "ساهر" غرفة شقيقته التي بدت غاضبة وراح يهدئها قائلا:

" لا عليك يا أختي.. سآخذ كل شيئ من الغرفة".. وبينما الأمير "ساهر" يهُم بإخراج الهدايا دخل الملك عليهما، وهناك لمح بين الهدايا مرآة صغيرة فحملها بغضب شديد ورماها على الأرض قائلا:

"من يجرؤ على إرسال هدية رخيصة كهذه ويسخر من إبنتي !". ثم همّ بالخروج وهو يتمتم: "يعلمون جيدا أنها عمياء لا تبصر ومع ذلك يهدونها مرآة.. سأعاقب الفاعل!". ورغم أن الملك ضرب المرآة بقوة على الأرض إلا أنها لم تنكسر،فتعجب الأمير من صلابتها وحملها قائلا باستغراب: " إنها مرآة عادية لكنها صلبة جدا!". ثم أردف يقول مبتسما:" عموما لا توجد واحدة هنا سأعلقها على الجدار".

ما إن عُلقت المرآة على الجدار حتى راحت الأميرة "لونا" تصرخ:" أحضر لي ذلك الشيئ فورا أيها الأمير إني أبصره!".. ظهرت علامات الإستغراب على محيا الأمير فسلمها المرآة فورا غير مصدق لما يسمعه.

أمسكت الأميرة المرآة ورأت انعكاس صورتها فيها، فإرتسمت على شفتيها بسمة آسرة لأول مرة في حياتها.

نادى الأمير "ساهر" على والده الملك وأخبره بحكاية المرآة التي ساعدت شقيقته على الإبصار. هناك قالت الأميرة :" إني لا أبصر أي شيئ إلا ما انعكس على هذه المرآة، إني أرى وجهي وانعكاس المكان ووجوهكم من خلالها فقط".

شعر الملك بالسرور وقال: "سأكافئ صاحب الهدية التي رسمت البسمة على شفتي ابنتي". لذلك أصدر أمرا بالبحث عن صاحب الهدية فورا وإحضاره للقصر.

خرج جنود القصر وجابوا كل أقطار البلاد، يوزعون المنشورات في الأسواق والحدائق العامة، باحثين عن صاحب المرآة السحرية .

وصل البلاغ إلى فتاة فقيرة حسناء كانت تعمل في السوق، لذلك حضرت وجلست بين يدي الملك وهي تقول:" المرآة ذات مفعول سحري، ولكنها حل مؤقت وهي لا تفيد الأميرة كثيرا.. لقد حاولت من قبل مرارا وتكرار أن أخبركم بأنه لدي وصفة لعلاج عمى الأميرة، لكنه كان يتم منعي دوما من دخول القصر لأنني من عامة الشعب، ولم أجد حلا لجذب الإهتمام نحوي سوى بإرسال المرآة كهدية"

استمع الملك لها باهتمام كبير ثم رد عليها: "ماهي هذه الوصفة؟ ولمَّ لمْ تحضريها معك!"

ردت الحسناء الفقيرة: " أمي مصابة بالعمى منذ سنوات لقد قضيت عمري أبحث عن دواء يعيد لها بصرها.. واكتشفت من خلال بحثي عن وجود عشبة نادرة لا تنبت إلا مرة واحدة كل مئة عام، على سفح جبل يدعى "جبل الحياة" وفي بقعة تدعى "بلاطة النور"، وهي عشبة مضيئة ذات ألوان متعددة عدد ورقاتها ثلاثة ورقات".

قال الملك :" التحدي الذي أمامنا هو جلب تلك العشبة.. ولكن كيف يمكننا فعل ذلك!".

قالت الحسناء الفقيرة:" سأذهب مع الجنود إلى جبل الحياة ليساعدوني في جلب العشبة، ولكن لدي شرط في حال نجاحي بمهمتي!".

رد الملك:" وماهو شرطك؟". قالت الحسناء الفقيرة: "أن آخذ قليلا من العقار الذي سأصنعه لأمي". فأجابها الملك بالإيجاب.

اقترح الأمير "ساهر" أن يرافق الحسناء الفقيرة في رحلتها لتقديم يد العون.. فوافق الملك على طلبه وانطلقا مع بعض الجنود نحو جبل الحياة لجلب العشبة.

حين وصلوا إلى جبل الحياة كان عليهم أن يتجاوزوا الكثير من الإختبارات ليصلوا إلى قمته، فقد مروا بوادي الحجارة المتحركة التي يصعبها السير عليها.. ومروا على غابة النباتات التي تلتهم كل ما مرّ بطريقها.. وعندما اقتربوا من الوصول إلى قمة الجبل وجدوا إمراة عجوز تسد عليهم طريقهم فخاطبتهم قائلة:

"لن أسمح سوى لشخص واحد بالمرور إلى بلاطة النور.. ولكن عليه أن يحل أحجية أرقام الخريطة، ليتمكن من جعل بلاطة النور مشعة فتومض ورقات العشبة ويصبح بالإمكان قطفها!"

شعر الأمير باستياء وقال:" هذا غير عدل البتة.. لم علينا تجاوز كل هذه الإختبارات، لقد كدنا نموت في وادي الحجارة وكادت النباتات تلتهمنا، لقد غامرنا بحياتنا كثيرا!".

نظرت إليه الإمرأة العجوز وقالت: "عد من حيث شئت إذا كنت خائفا وتريد الإستسلام.. على كل هذه هي الحياة إما تجهد فيها وتشقى لتحيا فتكون شيئا يذكر أو تخضع لظروفها الصعبة فلا تكون شيئا!، من يفكر بالحصول على العشبة عليه أن يكون على قدر من المسؤولية حتى يدرك قيمتها، فأنت تحظى ببصرك وتنعم به لكن غيرك يعاني بفقدان هذه النعمة، ولن تحس بقيمة ذلك إلا حين ترى كم من الجهد علينا بذله لنحظى بما فقدناه من النعمة".

سمعت الحسناء الفقيرة كلام المرأة العجوز فتقدمت وقالت بحزم:" سأجري الإختبار وساحصل على تلك العشبة.. أخبرينا عن تلك الأحجية!".

سملتها المرأة العجوز خريطة وأخبرتها أنه يوجد على الخريطة أماكن عدة وأرقام كثيرة، ويوجد ثلاثة أرقام لو توصل بخطوط ستشكل مثلثا، لذلك عليها أن توصل الأرقام الصحيحة ببعضها، وعندها ستتمكن من العبور لبلاطة النور.

قال الأمير "ساهر": "هذا محال كيف نجد حلا كهذا.. هل من مؤشرات تساعدها".

هنا ابتسمت الحسناء الفقيرة وقالت: "لا عليك أيها الأمير، لقد وجدت الحل !".. وضعت الأميرة أصبعها على الخريطة، وخطت ثلاثة خطوط مشكلة مثلثا .. فأشعت بلاطة النور وانطلقت فورا نحوها لتقتطف العشبة المتوجهة ثم عادت على الفور.

ضحكت المرأة العجوز وقالت :" أنت حقا فتاة سريعة البديهة إن الحل بسيط للغاية ولكن لم يسبق لأحد أن وجده قبلك!".. ردت الحسناء الفقيرة: "النبتة لا تنمو سوى مرة واحد كل مئة عام.. لذلك فالأرقام هي صفرين وواحد فهذه الأرقام ترمز لعمر النبتة المقدر بمئة عام".

عادت الحسناء الفقيرة والأمير والجنود إلى القصر فورا.. و هناك أخبر الأمير "ساهر" والده الملك عن حنكة الحسناء الفقيرة وجهدها الكبير الذي بذلته في سبيل إيجاد العشبة، ففرح بشدة وقال بأنه سيكافئها مكافأة عظيمة لو نجحت في صنع العقار لشفاء ابنته.

ظلت الحسناء الفقيرة في قبو القصر لأيام منعزلة تصنع العقار، وبمجرد أن أنهته جعلت الأميرة "لونا" تتناول شيئا منه، وما إن أخذت منه القليل حت عاد إليها بصرها.

فرحت الأميرة كثيرا، والأمير "ساهر" و والدهما الملك بنجاح الحسناء الفقيرة في علاج عمى الأميرة "لونا"، لذلك نفذ الملك وعده للحسناء الفقيرة وسمح لها بأخذ القليل من العقار لعلاج أمها، كما منحها مكافأة مالية كبيرة.

مرت السنين فقرر الأمير "ساهر" الزواج من الحسناء الفقيرة.. وافق الملك بمحبة وسرور، فأقيمت حفلة زفاف كبيرة بالمناسبة السعيدة نسيت فيها الأميرة "لونا" حزنها الذي رافقها طوال حياتها، ونصبت فيه الحسناء الفقيرة ملكة على العرش..

وعاش الجميع في سعادة وهناء..



تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
تم عمل هذا الموقع بواسطة